قبيلة خارجة على القانون لمئات السنين عادت إلى الأضواء بسبب "اختبار العذرية"

خميس, 12/04/2018 - 05:25

في حي بهتناغار القديم، في هذه المدينة الهندية الخاملة، يتشكل هناك تمرد صغير يشتعل في أرجاء المجتمع.

ينظم الجيل الجديد من المجتمع الكانجرباتي المترابط احتجاجات أثناء حفلات الزفاف لأجل وضع حد لاختبارات العذرية التي تُمارس منذ الأزل، بحسب تقرير نشرته The Washington Post.

يجري الاختبار كالتالي: يُتمم العروسان زواجهما على قماش أبيض، وتثبت العروس العذراء "طهارتها" عبر صبغ القماش بالدم، وفي اليوم التالي، يتوجه مجلس من كبار المجتمع لسؤال العريس علناً "هل كانت البضاعة نقية؟"

تندر اختبارات العذرية في الهند الحديثة، ولا تجرى سوى في بعض الجيوب الصغيرة، مثلما يجري في أوساط المجتمع الكانجرباتي، وهي القبيلة التي نُبذت في وقت ما.

إلا أن الدولة ذات الأغلبية الهندوسية، تشهد موجات من التغيير على أيدي جيل جديد استفاد من السياسات التي تضمن حصول طبقات وطوائف الهند المختلفة، التي طالما تضررت من النظام الاجتماعي الطبقي، على فرص التعليم والتوظيف. ركز أفراد الجيل الشاب انتباههم على حقوق النساء، محرضين إياهن على تحدي شيوخ المجتمع الراغبين في الإبقاء على تقاليد الأجداد والأنظمة القيمية السائدة.

مجموعة واتساب تغير كل شيء

تتذكر ليلاباي، وهي مطلقة تبلغ من العمر 55 عاماً، كيف تعرضت للاختبار حين كانت في الثانية عشرة من عمرها، وتقول: "في ذلك الوقت كنت صغيرة، لم أعرف ما كان يجري".

ولأعوام عديدة، أخفت ليلاباي غضبها تجاه الاختبار، بل وسمحت بخضوع ابنتها له. أما الآن، فتشجب وتستنكر هي ومجموعة من المطلقات والأرامل في المجتمع الكانجرباتي هذا الطقس، ما يثير رد فعل عنيفاً من أولئك الراغبين في الحفاظ عليه.

بدأ المجتمع في التصدع بعدما أنشأ فيفك تامايشيكار مجموعة على تطبيق واتساب، تضم الشباب الراغبين في إنهاء اختبارات العذرية.

وقال تامايشيكار، الذي يأمل أن يتزوج خطيبته في وقت لاحق من هذا العام، إنه لن يسمح لأسرته بأن تخضعها لهذا الاختبار، القاسي والمسيء للنساء في رأيه.

وقال عدد من أفراد المجتمع الكانجرباتي –نساء ورجالاً- إن حملة تامايشيكار قد سلطت ضوءاً غير مرغوب فيه على طقوس المجتمع، ووصف البعض الأذى الذي تعرضت له فتيات المجتمع الجامعيات حين لوح أقرانهن بالمناديل البيضاء الملطخة ببقع الحبر الحمراء أثناء عبورهن. وقال آخرون إن عروض الزواج من أفراد المجتمع الكانجرباتي خارج الولاية قد تضاءلت.

وقالت النساء اللاتي مررن باختبارات العذرية، إن بعض أفراد مجتمعهن كذبوا  على الغرباء بشأن وجود هذا الطقس.

وقالت ليلاباي "كلهم كاذبون".

إن لم تجر اختبار العذرية فالمجتمع يقصيك

يخاف أفراد المجتمع من مواجهة مجلس شيوخ القرية، أو ما يُعرف بالبانشايات، حسبما ذكر تامايشيكار. أما الذين يتجرؤون على مواجهة الوضع القائم فيتعرضون للمقاطعة والترهيب.

يُفضل المجتمع الكانجرباتي إبقاء السلطات خارج شؤونهم، بعد عقود من تصنيف الشرطة والحكومة لهم "قبيلةً خارجة على القانون"، في ظل الحكم الاستعماري للهند في 1871. ولذا يترأس مجلس شيوخ القرية (البانشايات) مختلف النزاعات القضائية في أوساط المجتمع، بدءاً من الزواج وحتى حوادث القتل.

وعلى الرغم من تمتع المجتمع بالمزايا الناتجة عن سياسات التمييز الإيجابي في الهند منذ مطلع الستينيات، لا يزال الفقر متفشياً في بهتناغار. ويُعد جيل الألفية من الكانجار هم أول الأجيال التي تمكنت من الوصول إلى التعليم العالي، ومتابعة الإعلام الغربي بشكل واسع النطاق.

أسفرت الاختلافات في المستويات التعليمية عن شق المجتمع إلى قسمين. أولئك المناهضون لاختبارات العذرية "يسيئون" لسمعة الشعب الكانجرباتي، حسبما يقول بعض أفراد المجتمع.

وقال جيتندرا كاراليكار، أحد مُنكري حدوث اختبارات العذرية "لماذا يقومون بكل هذا أمام الإعلام؟ إن أرادوا فعل ذلك، فعليهم القيام به خلف الكواليس. نرغب في أن ينظر إلينا الناس في واشنطن وفي كل مكان باحترام وتقدير".

لم يكن تامايشيكار أول من احتج على هذه الطقوس، بل إنه يحمل لواء الحرب التي بدأها أقاربه عام 1996. تزوج كريشنا وأرونا إندريكار، قربيا تامايشيكار، بعد قصة حب استمرت لعشرة أعوام، ورفضا الخضوع لاختبار العذرية، ما أقصاهما عن بقية المجتمع.

تعرض كريشنا، الذي حصل على تعليم جامعي ووظيفة حكومية لاحقاً، للازدراء من قبل عائلته والمجتمع بأسره، لأنهم ظنوا أن سنوات تعليمه الجامعي دفعته للشعور بالأفضلية عليهم.

وحين أعلن أنه سيتزوج بأرونا في المحكمة بدلاً من اتباع أوامر البانشايات، تعرض للتهديد. وقال متذكراً ما قاله له أفراد مجتمعه "أتظن أن بوسعك تغيير قرون من التقاليد لأنك قرأت ثلاثة أو أربعة كتب؟".

وقال إيراني، الأخ غير الشقيق لكريشنا، وأحد أعضاء البانشايات، إنه ظن أن رفض شقيقه لاتباع التقاليد كان متعجرفاً، "إنه يظن أنه أفضل من الآخرين. لا يستمع لنا. الاختبار الذي تتحدث عنه لن يتوقف أبداً. إنه يجري منذ أعوام، وسيبقى لأعوام أُخر".

وقال إيراني إن تحويل طقوس العذرية الخاصة بالمجتمع لقضية ليس تصرفاً يتسم بعدم الإخلاص، "لو أراد مساعدة مجتمعنا بالفعل، لم لا يفعل شيئاً لمساعدة الأرامل اللاتي لا يمتلكن من يلجأن إليه؟ لم لا يساعد الشباب العاطل عن العمل؟"

الفتيات أيضاً منقسمات.. الـ"مع" والـ"ضد"

أما نساء المجتمع فمنقسمات كذلك، لم ترغب الشابات المتزوجات في الحديث للصحيفة، خوفاً من انتقام المجتمع.

وقالت سابنا رووالكر وهي طبيبة، إنه على الرغم من وجود ممارسة تتضمن سؤال شيوخ القرية عن طهارة المرأة، إلا أن مصطلح "اختبار العذرية" هو سوء تفسير للتقاليد التي تحمي النساء، بحسب قولها. وأضافت أن سؤال الزوج عن عذرية زوجته علناً، يحمي العروس من الادعاءات المستقبلية ضدها، وتابعت "لقد أخذوا هذا، وبالغوا فيه وصبغوه بصبغتهم".

إلا أن بريانكا تامايشيكار، قريبة فيفيك، قالت إنها تظن أن الاحتجاجات هي بادرة التغيير.

وتابعت: "اعتقدت أنني الفتاة الوحيدة التي تظن بأن هذه الاختبارات خاطئة، لقد رأيت عروساً تعرضت للضرب، ونساءً يدخلن إلى الغرفة للاطلاع على القماش الملطخ. لطالما فكرت بأنني يوماً ما بأنني سأقف لأظهر لهم خطأهم. ذات يوم، سأفعل شيئاً ما".