محمد عالي بلال: "يجب تطبيق التمييز الإيجابي لصالح لحراطين بشكل مؤقت ..."

خميس, 08/02/2018 - 10:22

محمد عالي بلال :

" كنت أقطن، أنا و اخوتي الصغار، مع جدتي من الأم (امباركة اعلينه منت المختار)، بعد وفاة والدتي (عائشة منت المعلوم) سنة  2002، في أحد أحياء نواكشوط، في "كزرة"، (سكن عشوائي).

 

وكانت جدتي تقوم، بلطف و سرور دائمين، بشؤون الأسرة. إلا إن تلك الابتسامة اختفت ذات يوم من وجهها. ودون أن اطرح أي تساءل، طلبت من أحد إخوتي الذهاب للبحث عن إناء من البلاستيك.

فبدأت أنشد في مدح  النبي صلي الله عليه وسلم. و هو نوع من الغناء الموسيقى الخاص، يمارسه العبيد والعبيد السابقين، يرتكز علي الثناء على الرسول و يجعل المستمع يشعر بحالة من الاطمئنان الداخلي

 

كنت أعرف أنها تحب هذه الأغاني التقليدية. وكلما تسارعت وتيرة المدح علي الرسول صلي الله عليه وسلم، ازداد ضياء اعينها.

 

فقالت لي: يا بني، صوتك ليس عذبا، فأجبت: لا يهم. بل الاهم  هو أن المدح بعث في وجهك البهجة"، يقول محمد عالي بلال

 

أحب الفنون و أعشق الغناء. انني

 

ولد محمد عالي بلال سنة  1978 في نواكشوط. وهو متزوج وأب لبنتين. كما انه يشغل منصب نائب رئيس نجدة الأقران المربين، وهي جمعية موريتانية ينشط فيها بصفته عضوا منذ 20 عاما.

 

وينسق محمد عالي بلال، في الوقت الحالي، مشروع للصحة الإنجابية في حي الميناء بنواكشوط.  كما يعمل مكونا في تقنيات الاتصال بين الأفراد.

 

 محمد عالي بلال هو ايضا ناشط ثقافي و عضو في دار السينما في نواكشوط ومدير مهرجان الكرامة حول أفلام حقوق الإنسان.

 

" أعشق الفنون منذ طفولتي، كما احب الغناء والرقص، حيث عملت كوموديا لمدة  8 سنين"، يقول محمد.

 

وكان محمد، في 2002 طالبا في الفصل الخامس علمي، أي سنة واحدة قبل البكالوريا، في الثانوية العربية بنواكشوط.  ولم يتمكن محمد، الأكبر في أسرته، من مواصلة دراسته. فأضطر بعد وفاة والدته، الي العمل ليكون عونا لجدته وإخوته وأخواته،.

 

ويعتبر محمد من اولئك لحراطين (ذرية العبيد) الذين لم يتعرضوا لممارسة مباشرة للعبودية.

 

"ولدت في نواكشوط و لم تكن لي صلة عميقة مع أجدادي، الذين بقوا داخل البلاد، لأن والدي كان من ضمن "لمدمبرين"، أي أولئك الذين تتحرروا بأنفسهم من أسيادهم.

 

لقد  فر أبي من قبضة أسياده الذين كانوا في اترارزة (المذرذرة)، ليستقر في السنغال حيث مارس التجارة. ولما رجع الي موريتانيا، قرر ان يحارب الرق "، يقول محمد..

 

ضحايا التمييز في المهد الي اللحد

 

يعتقد محمد أن التمييز الإيجابي يمكن أن يكون حلا لسد الفجوة بين لحراطين والمكونات الوطنية الأخرى.

 

ويقول في هذا الشأن : "إذا تمسكنا بمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب، فلن يكون للحراطين كثير من الحظ".  "لماذا؟

 

وهنا يجيب محمد علي: "ان صغار لحراطين يذهبون إلى المدرسة دون تناول وجبة الإفطار و دون وسائل للنقل، كما يزولون العمل وقت الفراغ في الوقت الذي يراجع فيه الاخرون بمفردهم او برفقة مكررين.

 

وأخطر من ذلك يضيف محمد "وحتى أن لحراطين، اصحاب الشهادات، لا يتم غالبا تعيينهم بشكل كافي، لأنهم لا يحظون بدعم في الإدارة العليا لمساعدتهم على التألق المهني و التقلقل في الوظائف، كما هي الحالة السائدة بالنسبة للآخرين" .

 

ولذا "فان التمييز الإيجابي أمر في غاية الاهمية في المدرسة وبعد اكتمال الدراسة، كما يجب تطبيقه مؤقتا للحد من الفوارق"، يواصل محمد عالي.

 

لا بد من العمل من اجل احتواء التوترات المحتملة و من أجل تغيير إيجابي لصورة موريتانيا، يقول محمد.

 

"ان كل من يتصفح اسم البلاد علي محركات البحث، لا يرى سوي الاشياء السلبية، مما يستدعي العمل عبر التضامن والاحترام والتسامح من اجل تعزيز التقارب بين المواطنين  و من اجل تغيير تلك الصورة"، يؤكد محمد.

 

 

 

الثقافة من اجل تعزيز الحريات

 

ومن أجل الدفاع عن حقوق الإنسان، اختار محمد عالي بلال رافد الثقافة. "انني لا اقوم، بوصفي فنانا، يسعي الي تعزيز الحريات  والحقوق بتنظيم ندوات وإنما اسعي عبر المسرح والسينما أن أقوم بتحسيس المواطنين حول حقوقهم وواجباتهم "، يضيف محمد عالي.

 

وهذا ما جعله يختار احد الاحياء العشوائية الموجودة في ضواحي العاصمة نواكشوط، لاحتضان النسخة الثانية لمهرجان الكرامة السينمائي لحقوق الإنسان.

 

"توجد لدي أسر هذه الأحياء الفقيرة، أجهزة التلفزيون والصحون اللاقطة والهواتف المحمولة مع جميع التطبيقات وكذلك ثقافة الصورة ...ان الغالبية العظمى من سكان هذه الإحياء هم من لحراطين، اي  ابناء وابناء ابناء العبيد. إنهم فقراء وأميون  يواجهون الجريمة الحضرية. أنهم يمثلون هدفي الحقيقي"، يقول محمد عالي بلال.

 

ويعتبر أيضا  محمد عالي بلال، عبر مركز قناة "ترانيم" للفنون الشعبية، صاحب مبادرة مهرجان المديح النبوي (غناء و تمجيد يشيدان بالنبي محمد، عليه الصلاة والسلام وبسيرته الغراء)

 

ويعرف المديح النبوي بأنه غناء تقليدي اصيل يقوم لحراطين، أحفاد العبيد، بأدائه

 

"ان العبيد الذين لا يتربصون الي نيل حريتهم من أسيادهم يلجئون الي المديح لإبراز الرسالة النبوية النبيلة، التي تعتبر رسالة حرية وسلام ومساواة.

 

وهي كذلك، وسيلة  لهؤلاء العبيد للفت انتباه الاسياد حول الفروق  الكامنة بين المعاملة المفروضة عليهم (علي العبيد)، و مضمون رسالة النبي"، يضيف محمد عالي بلال.

 

ان العبيد تعلموا، بفضل المديح، السيرة النبوية وكيفية قيام الصلاة وتأدية الواجبات الدينية...، يقول محمد عالي بلال، مبينا ان المهرجان يهدف إلى "الحفاظ المديح وتطوير ، الذي يعتبر عنصرا هاما من هوية لحراطين"

 

"وبالتالي فهو يسعي الي تثمين التراث من أجل التخلص من الشعور بالتعقد لدي لحراطين فيما يتعلق بتراثهم الثقافي، لأن العديد من شباب هذه المجموعة، غير فخورين بهذا الغناء الذي تتقنه أسرهم" "

 

ويضيف  محمد عالي: "أعرف مسئولين كبار من لحراطين، في إلادارة أو القطاعات الأخرى، تقوم اسرهم بأداء المديح النبوي، ألا انهم يعتذرون، بعد توجيه الدعوة إليهم عن حضور مهرجان المديح النبوي، مبدين في نفس الوقت استعدادهم لتقديم دعم مالي لتلك التظاهرة.

 

فما السبب الذي يمنعهم من الحضور، ان لم يكن التعقد. أننا نعمل في هذا الصدد بالذات من اجل تخليص هؤلاء لحراطين من التعقد من المديح النبوي او من "لبي دبوس" (رقص بالعصي) او " بوندجي "، (رقص خاص بنساء لحراطين ) ... انه  جزء من التراث الوطني، يجب الافتخار والاعتزاز به"

 

 

خليلو ادياغانا

 

تم انجاز الملف في اطار مشروع: "حرية، قانون وعدالة: محاربة  الرق عن طريق النسب في موريتانيا" بالوزارة الخارجية الأمريكية