هوامش على المبادرة الموريتانية بغامبيا

ثلاثاء, 24/01/2017 - 07:54

لا يمكن وصف السياسة الخارجية لموريتانيا "بالديبلوماسية الناجحة" كما يحلو لأنصار النظام القائم تسميتها، لأن المصطلح، يتطلب وجود مسسات مستقلة يديرها كادر دبلوماسي مهني، ملمٌ بالملفات التي يعهد إليه بحلها و يخدم الدولة بغض النظر عن نوع النظام الحاكم. 
أما الحكومات التي تصبح فيها قيادة المجموعات المحلية ورئاسة البعثات الديبلوماسية إبدالية وتأتي بصدفة ضرب الرمل!! فلا يمكن أن توصف تحركاتها الخارجية بالجهد الديبلوماسي المنسق، فهي مجرد مبادرات تأتي عفو الخاطر، وقد توفق وقد لا يكتب لها النجاح.
 منذ فوز المرشح الغامبي "آداما بارو" و امتناع الرئيس المنتهية ولايته عن تسليم السلطة لغريمه، تشهد المنطقة صراع إرادات، طرفاه: موريتانيا و السينغال، الأخيرة وجدت في فوز "بارو" سانحة لتحقيق الأهداف التالية:
الأول: اتخاذ الرئيس المنتخب "حصان طروادة" لإعادة الغامبيين ـ بطريقة ناعمة ـ للحضن السيغالي، بعد أن تصبح في نظرهم "شرطي المنطقة" الضامن للاستقرار و حماية المؤسسات الديمقراطية، و هو ذات التبشير الذي أطلقه الغربيون لتبرير احتلالهم لشعوب العالم الثالث،و بذلك تثبت السينغال للغرب أنها "تلميذ نجب" للسيد الفرنسي، بلغ سن "الرشد السياسي" أو رُشد. 
  ثانيا: تحويل المجال السينغالي إلى منطقة رخوة، وبذلك  يتعاظم تأثيرها. وهو  مذهب استيراتيجي، تؤكده التجربة الإيرانية و التركية في المنطقة العربية، حيث بنت هاتان الدولتان قوتهما المتعاظمة على حساب الدول العربية بعد أن أن إحالتاها إلى دول فاشلة.
 ثالثا: الوصول للانفصاليين السينغاليين " حركة كاز مانص" وكسر شوكتها بقطع " الحبل السري" الغامبي، الذي تتغذي عليه و ترويض "يحي جامي" لتحقيق ما يسميه فقهاء القانون نوعي الردع " الردع الخاص و الردع العام".
أما المبادرة الموريتانية، فإن  إخراجها  للبلد من طوق " البحر و النهر و الصحراء" بتجاوز الموريتانيين للدفة الثانية لنهر صنهاجة، و وقوفها  مع صديق البلد التاريخي، يجعلها موفقة من الناحية المبدئية وفق منطق الأشخاص الطبيعيين، لكنها  خطيئة سياسية بمنطق العلاقات الدولية، التي لا تعترف بصداقات و لا عداوات دائمة.
فليس من المعقول سياسيا وفق منطق رجال الدولة، المراهنة على الحصان الخاسر الذي لفظته صناديق الاقتراع! فالديبلوماسية الجادة لا تستمثر في الجثث السياسية الهامدة،بل تلك التي مازالت تنبض بالحياة، و المستقبل الذي لا يمكن أن يبور هو الاستثمار في  الشعب الغامبي، لا في الأفراد. 
 السياسة فن الممكن و قهر الإمكان  السياسي المبدع، هو ذاك الذي يحول الحالات السلبية إلى حالات إيجابية، و كان بإمكاننا العمل على ذلك  وتفادي تبييض طاولة المستقبل الغامبي  للسينغال الذي وقعنا في محظوره  بتمسكنا بالوريق القديم!!  لضمان المحافظة على مصالحنا الاستيراتيجية في المنطقة وحماية مواطنينا و ممتلكاتهم.

د. معمر محمد سالم