من “المونولوج” إلى “الكوميكس″… فنون في مصر تصنع الابتسامة الساخرة

جمعة, 14/10/2016 - 18:01

من حسين محمود ـ الكوميديا الساخرة، دائماً ما تزدهر في أوقات الأزمات، حيث يعتبرها علماء اجتماع، مواجهة وانتصاراً على واقع قاتم كنافذة للتنفيس، منعاً للكبت والاختناق.

وتشتهر مصر بفن “الكوميديا الساخرة” منذ القدم؛ إذ برز “المونولوج” ثم تطور إلى “ستاند آب كوميدي” بالمسارح، وأخيرًا تعليقات “الكوميكس″ بمواقع التواصل الاجتماعي مع ثورة “الإنفوميديا”، وتبقى الابتسامة واحدة.
في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، برز في الأوساط الفنية المصرية، فنانو المونولوج، الذي يجمعون بين الغناء والتعبيرات والحركات المضحكة، والبراعة في إلقاء النكات، وتقليد المشاهير من ساسة وشخصيات عامة.
لكن مع بداية انتشار القنوات الفضائية، ظهر “ستاند آب كوميدي” (Stand-up Comedy)، وهو صورة أكثر عصرنة للمونولوج؛ حيث يقف الفنان فوق مسرح ليناقش واقعاً سياسياً أو اجتماعياً بشكل ساخر، وبتعبيرات كوميدية قد تصل للنكات.
وعقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، واكب المصريون التطور التكنولوجي في مدّ جذور الابتسامة عبر “الكوميكس″ (الرسوم المصورة والمقصود هنا الساخرة منها تحديداً)، المرتبطة بتعليقات تصنع الابتسامة من دون حاجة إلى سماع صوت أو تقليد؛ فيكفي أن تقرأ كلمات فقط لتبتسم وأحيانا أخرى تسقط أرضاً من الضحك.
3 وجوه لصناعة السعادة بمصر: 

المونولوج… فن كوميدي يوشك على الانقراض

“لم تعد موجودة إلاّ في الإذاعة المصرية (حكومية) عبر فقرات تذاع من وقت لآخر”، بهذه الكلمات وصفت الناقدة الفنية المصرية، “ماجدة موريس″، حال مهنة “المونولوجيست” أو الشخص الذي يقف على المسرح ليقلد الشخصيات المختلفة بأسلوب ساخر ومضحك، وقد يقدم مقطوعة غنائية بصورة تمثيلية.

فن المونولوج، وفق “ماجدة”، هو أحد فنون التعبير والغناء الساخر، الذي يتناول في قالب فني غنائي، مظاهر الحياة ومفارقاتها، وبرز من خلاله في أربعينيات القرن الماضي، فنانون مصريون، أشهرهم إسماعيل ياسين (1912-1972)، و محمود شكوكو (1912-1985)، و ثرية حلمي (1923-1994).
وأعربت الناقدة الفنية، في حديث مع الأناضول، عن أملها بإعادة فن المونولوج بشكله الإبداعي للواجهة مرة أخرى، في ظل حاجة المجتمع لهذا اللون الفني الضاحك من جديد.
وأوضحت أن فن التقليد والنكات لا يمكن إدراجهما تحت فن المونولوج الذي بدأ يتراجع بعد جيل العمالقة في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، معتبرة النكات والتقليد وبرامج السخرية في صورتها الحالية، مشاهد واجتهادات ومحاولات كوميدية لإسعاد الجمهور.
أحمد عامر (18عاماً)، أحد الذين وقفوا على مسرح ساقية الصاوي (مركز ثقافي شهير وسط القاهرة)، يبرع في فن التقليد، ورغم صغر سنه، يرى أن “فن المولونوج، ومنه التقليد، لن ينتهي بمصر رغم الأرقام المحدودة لفنانيه“.

“عامر” قال، إنه في “بداية السلم الكوميدي الذي يحاول من خلاله إسعاده الجمهور”، مضيفاً: “وقفت على مسارح كثيرة غير مشهورة لإسعاد الجمهور، ودفعتني موهبتي لصقلها رغم صغر سني وعدم التحاقي بفرق فنية بعد، حتى ظهرت على مسرح الساقية مؤخرًا“.

وأوضح أن هذا العام هو الخامس له في فن التقليد، سواء لأصوات الحيوانات، أو المشاهير كالمغنييْن المصري “محمد فؤاد”، واللبناني، “جورج وسوف”، أو السياسيين وأبرزهم الرئيس المصري الأسبق “أنور السادات” (1918-1981).
فن التقليد أصعب بكثير من فن “استاند آب كوميدي”؛ حيث يحتاج الأول موهبة، والثاني خفة ظل، حسب “عامر“.

استاند آب كوميدي… مونولوج بلا موسيقى 

 

 

“استاند آب كوميدي، فن بدأ في القرن الثامن العشر في بريطانيا، وانتشر بشكل واسع لاحقاً في أمريكا، وهو قائم على الارتجال عبر مسرح وشخص واحد يعالج قضايا واقعية بقدر من التعليقات التي تُضحك الجمهور، دون أن يكون هناك دور مصاحب للموسيقي معه كحال المونولوج”، حسب تعريف الفنان المصري “حمزة بهاء الدين” (24 عامًا)، أحد الذين يبرزون في هذا الفن الضاحك.

ومن أبرز فناني هذا اللون الأمريكيون جيري ساينفيلد و راسل بيترز، و كريس روك، ومن العرب في أمريكا الفلسطينيان عامر زهر، و ميسون زايد، واللبناني نمر أبو نصار، وفي المنطقة العربية السعودي فهد البتيري، والأردني نيكولاس خوري، والفلسطيني عماد فراجين، والسوداني من أم إيرلندية عمر رمزي.

“بهاء الدين”، الذي يظهر من وقت لآخر على مسرح ساقية الصاوي، اعتبر، في حديث مع الأناضول، أن “ستاند آب كوميدي” تطور لفن المونولوج، ومحاولة للتوافق مع العصر الجديد، لافتاً إلى أن الكوميديان يقدم فقرته من 15 إلى 20 دقيقة أو أكثر، حسب إحساسه بتفاعل الجمهور معه وقدرته على إضحاكهم.

وأوضح: “بالرغم من أن أغلب الجمهور من الشباب، إلا أن قضايا الكوميديان الذي يقدم فن ستاند آب، نابعة من الواقع، وتهم أرضية مشتركة مع جميع الشرائح العمرية، مثل معالجة أزمات الزحام، وتربية النشء والمظاهر الخادعة، وغيرها من القضايا المجتمعية أو تلك التي تحمل رؤى شخصية للكوميديان ذاته“.
وأشار إلى أن فناني “ستاند آب كوميدي” بالعشرات ولهم جمهور يتزايد كل يوم، وكلٌ له مدرسته في عرض ارتجاله المضحك، لافتا إلى أن المسارح وفيديوهات الانترنت طريقان للكوميدي لعرض مواهبه.

 

 

الكوميكس… كوميديا زمن الإنفوميديا

 

 

“الكوميكس″ هو تعبير عن الموقف بالصورة، وفي مصر برز عبر رسوم الكاريكاتير أولاً، وأخذ عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011 عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أبعادًا متعلقة بالسخرية والانتقاد لرسم الابتسامة، غالباً من مأساة، سواء على صورة أو إضافة مشهد سينمائي أو موقف كوميدي ساخر من كلمة متلفزة لساسة أو شخصيات عامة.

وصار “الكوميكس″ مرتبطا بحياة المصريين الرياضية والسياسية والاجتماعية والفنية، عبر صفحات لها مئات الآلاف من المعجبين والتعليقات المرتبطة بها التي تثير الضحك، ومن وقت لآخر ترصد الصحف المحلية أبرزها في تقاريرها.

“Asa7be Sarcasm Society”، أبرز صفحات الكوميكس في مصر، تجاوز عدد متابعيها أواخر أغسطس/آب، 13 مليون حساب على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، وتعليقاتها تشمل كل الجوانب، كما يبرز فيها شكل الانتقاد السياسي، الذي لا يستثني أحداً، حيث يطال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الكثير منه، ويتفاعل معها عشرات الآلاف.

ومؤخرًا، نشرت صفحة Asa7be Sarcasm Society”، صورة للسيسي وهو يبتسم..وكتب عليها استطلاع رأي لصحيفة حكومية: 92% راضون على أداء السيسي ..وعلقت إدارة الصفحة بجملة: أكيد الاستطلاع تم داخل قصر الاتحادية الرئاسي (شرقي القاهرة)، وحازت على إعجاب 73 ألف حساب، وأكثر من 11 ألف مشاركة، حيث تواجه القيادة السياسية في مصر أزمة اقتصادية كبيرة، صاحبتها زيادات كبيرة في أسعار السلع والخدمات، ما زاد من سخط الشارع.
ووفق الخبير في علم الاجتماع والروائي، عمار علي حسن؛ فإن المصريين بارعون في فن الضحك سواء كان إضحاكاً للتسلية أو كان سخرية من الأوضاع الاجتماعية، أو انتقاما من الذات أو سخرية من السلطة الحاكمة على مدار التاريخ، وأخذت أشكالا متعلقة بالكاريكاتير (رسوم ساخرة)، أو الكوميديا المتلفزة وفن الكوميكس والكتابات الساخرة.
وأوضح عمار، أن كل هذه الألوان الفنية، التي تثير الضحك، هي ميزة يتمسك بها المصريون بشكل بارز ومختلف عن شعوب العالم، متوقعاً بقاء فنون الضحك بمصر رغم صعوبة الأوضاع الاجتماعية والسياسية.