رسالة إلي رفيقي محمد داتي

اثنين, 29/08/2016 - 16:21

رفيقي عندما تكتب عن واقع معاش في بلد مظلوم وشعب مقهور و نظام مختطف يقولون أنك خائن و أنك عميل، يصفونك بكل الأوصاف و يصدرون في حقك كل الفتاوي التي تصب في مصلجتهم يشرعون قتلك و يبحونك دمك و يتقذفونك بالماسونية و العمالة للأجنبي.

عرفتك شابا هادئا ومناضلا شهما وقياديا بارزا و صاحب مبادئ راقية، تعلوا تجاعيد وجهك آهات و آلام أبناء جلدتك الذين يعانون القهر و الظلم و المصادرة و الفقر و الجوع بكل معانيه و تجلياته.

عرفتك شابا حرطانيا تقدميا ذو أخلاق رفيعة و مستوي فكري راقي، رصدتك في ساحات النضال فوجدتك مناضلا فذا و قياديا بارزا أستطعت قيادة المنسقية الجهوية لحركة إيرا بأنواكشوط بكل تفاني و صبر و عزيمة وقوة لا تنكسر في وقت كانت فيه الحركة تعاني من هجمات متكررة من طرف المخابرات و أزلام النظام و أتباعه، لم تسطع تلك الهجمات ثنيك عن تحركاته ولا تخليك عن مبادئك.

إشتركنا فترة من النضال الحقوقي بداخل الحركة كنت مستشاري الإعلامي ومصحح كتاباتي و حاذفا لبعض الألفاظ و الجمل التي توبخني دائما علي إستخدامها قائلا لي أنها لا تليق بمعجم النضال و أن القضية لا تتطلب الإساءة للآخرين.

إفترقنا فترة من الزمن بحكم بعض الظروف المهنية و ألتقينا فجئتا أمام محكمة ولاية أنواكشوط الجنوبية هذه المرة بطريقة مختلفة تماما فأنا مالك مكتبة عمومية أمام العدالة (سأعود لقصتها فيما بعد وما تعرضت له حينها) و هو كاتب ضبط أول في المحكمة، كانت اللقاءات بيننا لا تتم دائما بصفة منتظمة وكنا نتبادل التحيا من بعيد و إن إلتقينا فأنها في العادة تكون لقاءات بعيدة كل البعد عن العمل الحقوقي، كان رفيقي محمد داتي أول من يصل مكان عمله حاملا حقيبة سوداء ذات حجم يكبره سنا ووزنا و آخر من يغادر العدالة في سيارته الشخصية من نوع بيجو 405 حمراء اللون رفقة العديد من زملائه ممن يعملون معه و يحترمونه بحكم أخلاقه الرفيعة و مستواه الفكري العالي و تواضعه و حبه للآخرين، قليلا ما تجد شخصا لدي العدالة يبحث عنه في قضية تتعلق بملف أو معاملة أو سمسرة وهي أمور شائعة في أروقة المحاكم، لا تربطه علاقات وطيدة مع رجال الشرطة و يصفهم دائما بأوصاف أكدتها المحاضر التي صدرت في حقه، تجد رفيقي محمد داتي يعمل بجد و تفاني و إخلاص خلال عطل الإسبوع وهو كاتب الضبط المحترف في تحضير الجلسات و الدورات الجنائية، يدخل بهدوء و يغادر بهدوء، ألتقينا يوما علي هامش مسيرة الحقوق الإقتصادية و الاجتماعية و السياسية للحراطين 29/04/2016م  و أكدت له نيتي في التخلي عن العمل في المكتبة بحكم تناقض ما آراه مع مبادئي و أنتماءاتي الفكرية، منذ تلك الفترة لم نلتقي و كان آخر لقاء جمعنا في شهر رمضان الكريم علي هامش مهرجان المدح، اليوم هاهو رفيقي و أخي و زميلي يدفع ضريبة إخلاصه لوطنه و تفانيه في خدمته غاليا تهم ومتابعات و تحقيق ومحاضر وحكم قاسي 3 سنوات نافذة سجنا في حق شاب قدم كل مالديه خدمة لعدالة وقضاء ينتمي إليه، اليوم هاهي تخذله و تقحمه أيادي خفية في ملفات بريئا منها براءة الذئب من دم يوسف، أخي كن قويا و أنا علي يقين من ذلك فقدراتك الفائقة في التأقلم و فنياتك العالية في التعايش سوف تمكنك من العيش بصفة طبيعية في السجن مع مساجين كنت و للأمس الغريب تشرف علي ملفاتهم دون التعرف علي أسرار و خفايا التهم الموجهة إليهم ولا حتي طبيعة الأحكام الصادرة في حقهم، اليوم ستدرك أن العديد منهم لا يختلفون معك في نوعية التهمة الموجهة إليك و سوف تدرك أنك كنت سجين حتي ولو كنت تتحرك بصفة طبيعية، ستمكنك السنوات الثلاثة من التجربة من معرفة أسرار السجون و قد تخرج بتجربة أعمق ومعطيات أهم ستكون لك ذكريات جميلة مع مساجينك بالأمس ورفاقك اليوم، سوف تدرك أن التوقيف النظري لدي المفوضيات و أن محاضر التحقيق لا تترجم حقيقة التهم فجل من يكتبونها يعيشون تحت الضغط و يقومون بطريقة القص و التركيب في المحاضر و أن المحضر بحكم قوته القانونية يحتاج للمراجعة من طرف السلطة القضائية مادام أعوان القضاء يعانون من ما يعانون منه  

تحياتي لرفاقك في السجن تحياتي للأنسان اليساري التتقدمي بلا توري ومن خلاله زنوج حركة إيرا المقحمين في سجون الإقطاعية، تحياتي لخطري ولد الراحل وقل له أنني أفتقدته و أن أجرة التكسي بدأت تنهك جيبي خصوصا أنه كان في جل الأوقات يوفر لي نقلا مجانيا من أفركو حيث ألقي عليه القبض بأتجاه الرياض حيث نسكن نقلا لا يخلوا من بعض الصدف، تذكر دائما أنك تسطر تجربة و أن تخوض رحلة و أنك مؤمنا بالقدر خيره و شره أحييك علي قوتك و تماسكك في وجه القوة التي أستخدمت في حقك و حق مسيرتك المهنية لا شك سوف تغادر العمل في القضاء ولا شك سوف يفتقدك محبوك و المعجبين بك لكن الحياة مطبات و تجارب دروس، تحياتي حتي نلتقي ......................  

حمين ولد امعيبس كاتب صحفي/ حقوقي