خسارة وربح موريتانيا في القمة العربية

أربعاء, 03/08/2016 - 15:10

القمة العربيّة قمتان. الأولى للعرب والثانية لموريتانيا. فأما تلك التي للعرب فعدتها انعقادها. وأما تلك التي لموريتانيا فعبرتُها مكانة موريتانيا. فهي بالنسبة لموريتانيا، وللنظام السياسي فيها، رفع اعتبار الدولة بتأكيدِ أهليّتِها وكفاءتها وإعلاء شأنها ورفع ذكرها. أقول في هذا الأمر إن حسابات موريتانيا قد تفاوتت بين الربح والخسارة. وهي للخسارة أقرب. أُبيِّنُ فيما يلي رأيي. 1-ربحت موريتانيا في ضمِّ تنظيم القمة العربية 2016 إلى ديبلوماسيتها الاتفاقية (=ديبلوماسية المصادفات) التي برزت فيها للسطح مؤّخراً برئاسة مجلس السلم والأمن الإفريقي 2011 ثم الاتحاد الإفريقي 2014 وظهرت فيها بمبادرات جريئة (وإن كانت فاشلة وأحياناً غير نبيلة) لحلّ الأزمات في ليبيا 2011 (بغرض إنقاذ القذافي) وفي ساحل العاج 2011 (بغرض عدم مقاضاة غباغبو المحاصر) وسوريا 2011 (بغرض إنقاذ الأسد)، ومبادرة أقلّ فشلاً في مالي 2014 لفتح حوار بين الأطراف الشمالية المتحاربة. 2-أرادت موريتانيا إعلاء الثقة في نفسها بأنها دولة اعتيادية وأهلٌ للثقة، وخصوصاً انها بذلت جزءً معتبراً من ميزانيتها منذ سنوات في أمنها، وهو مطلب جيوسياسي وشرط للمانحين. كما ركّزت الديبلوماسية الموريتانية- دون إخفاق كبير- على قيّمها التقليدية المعنونة بـ"كرم الضيافة". إلاّ أن هذه الإرادة لم تقنع كلّ العرب. فلم يأتِ للقمّة زعيم مطلوب رأسه (باستثناء البشير، الذي اعتادَ زيارة نواكشوط أو تميم بن جاسم الذي قضى سويعة وغادر، في ظروف لم تُشرح كثيراً، وإن لم تكن خارجة على مسألة النجاح والفشل المناقشة هنا). وكانت قمة نواكشوط الأقل حضوراً من قبل الزعماء العرب منذ عقود. وأكثر من هذا قُلِّصَت مدّة القمة من يومين إلى يومٍ واحد. وقد اعتذر الزعماء العرب الحاضرون عن حضور اليوم الثاني من القمة بسبب "الإنشغال". بعضُم لم يُغبِّر قدمه في البلاد لساعة. ولم تغب الهواجس الأمنية في كلِّ هذا. وقد نشرت صحف مصرية وإسرائيلية (اليوم السابع وإسرائيل تايمز، مثلاً، وهو ما نقلته أيضاً الأسوشيتد برس، وإن كانت تحوم حوله شكوك) أن سبب غياب السيسي كان دوافع أمنية تتعلّق باستشراف محاولة اغتياله. ومن الأرجح أن إحجام ملك السعودية وأمير الإمارات، اللذّينِ استُعدّ لهما حتّى آخر لحظة (وكانت القمة، بمعنىً ما قمتُّهما، وقد حُجِزت إقامتهما وكُسرِت دورُها المجاورة وأُمِّنَت طرقها المؤدِّية وأعيد تسمية الشارع الرئيس على "زايد")، يعود لهواجس أو استخبارات أمنية. والحال هذه، لم تنجح موريتانيا في تسويق نفسها أنها ملاذٌ آمن. من نافل القول إن موريتانيا التي تضعها الدول الأوربية في المنطقة الخطرة على رعاياها ما زالت لم تكسب، والحال هذه، ثقة الغرب في أمنها. 3- أرادت موريتانيا أن تستخدِمَ فرصة القمة لفتح نقاش حول عروبتها ومركزيتها العربية والفرار من عقدة الدونية. وكانت القمة ستكون فرصة. إلاّ أن النقاش اختُطِفَ. وانعطفَ التركيز على التصريحات التي قام بها وزير الصحة اللبناني والردود عليه إلى التتفيه والتعظيم من قيمة موريتانيا أو الاعتذار عنها. وقد أخذَ فيصل القاسم، ديماغوجي عمومي هو الآخر، بالنقاش منعطفاً آخر عندما سخر من لحن الرئيس الموريتاني وأخطائه باللغة العربية. وبطبيعة الحال فقد أعطى الوطنويون الموريتانيون بردودياتِهم الطويلة قيمة محورية، وإن غير مقصودة، لهذه التصريحات. وهكذا تمركزت النقاشات التي انخرط فيها من يوصفون- وهذه مأساة الثقافة العربية- بالمثقفين العموميين (كخديجة بن قنة وفيصل القاسم وبشكل أقّل عبد البارئ عطوان وعبد العزيز التويجري، والآن وائل أبو فاعور) على عقدة الدونية للوطنويين الموريتانيين، التي أرادوا الفرار منها بالقمة. وإضافة إلى هذا فإن منابر كوسم "عذراً موريتانيا" على التويتر، كانت تؤكِّدُ دونية موريتانيا حتّى وهي تعتذر عنها. 4-كانت استراتيجية موريتانيا هي ربط نفسها بالقمة العربية والاستفاد من هذا المنعكس الشرطي. وكان الشعار السائد هو أن نواكشوط "عاصمة العرب". يبدو لي أنّ هذا المسعى لم يتحقّق كليّةً. مثلاً وسم "القمة العربية" على تويتر، الأعلى فيه اليوم والذي كسر احتكار "تركيا" للصدارة منذ أسبوع، يُحيلُ نادِراً إلى موريتانيا، وفي المقابل يُناقِشُ الهواجس العربية المالوفة، المستنهضة للهم والباطية على الأطلال. وبدل أن ترتبط نواطشوط بالقمة فإن قمة نواكشوط فإن تسمية "قمة الجرذان"، اسمها الأشهر، دخلت التاريخ، أو على الأقل "غوغل". 5-كان يمكن لموريتانيا أن تستفيدَ اقتصادياً أكثر من الجامعة العربية. يبدو أنها لم تربح من المانحين العرب غير سيارات مصفّحة وما يُقالُ إنه هبات سعودية لإعمار الطرق. قيل إن السبب هو ضيق الوقت، وإن كانت عدم القدرة على الاستشراف هي الأصوب. أيضاً لم يبدُ أن الضيافة صُمِّمت لضخّ المال في السوق المحلي. مثلاً خسر بعضُ المورِّدين في صفقات التراضي لترصيف الطرق بسبب استطالة قوائم المورِّدين (=الفساد). ومثلاً قرار استضافة الضيوف في قصور رجال الأعمال (بالتسخير وبالاستيلاء requisition) منعَ استفادة النزل والشقق النواكشوطية من إيجار محتمل. رغم ذلك فلا يمكن إنكار أن طفرة كينزية حصلت بقدوم أكثر من ألف ضيف للعاصمة. لقد أهدت قمة "المؤتمر الإسلامي" بنية فندقية وطفرة استهلاكية للسنغال قبل عقد. ليس هنا. 6- لم تُظهر موريتانيا قُدرة على التحكم في فتيل الصراع مع المغرب بحيث اشتعل في اللحظة غير المناسبة. ويُبالِغ البعض في نسبة إخفاقات القمة إلى الدور التخريبي المغربي. الديبلوماسية القديرة هي التي تتحكّم في وقت ومكان المعركة. الضُّعفاء وحدهم هم ينتظرون المواجهة أو لا يقدرون على دفعِها. الأمير، الذي عناه مكيافيللي، لا تُحدّدُ له المعارك. لا يخاف الأمطار. لا تُلوى ذراعه. لا تنتابه الهواجس. 7-من الأرجح أن عدم مناسبة موريتانيا لزيارة معظم القادة الذين تخلّفوا قد وردت من مصادِرِهم السفرائية. إذا كان الأمر كذلك فهذا فشلٌ للديبلوماسية الموريتانية ولتاريخ علاقتها.

بقلم: مامين