قصة الوزير الفرنسي المزيف الذي سرق ملايين الدولارات

جمعة, 21/06/2019 - 17:42
الوزير الحقيقي جان إيف لودريان (يسار) والشخص المحتال (يمين).

تفيد تقارير بأن انتحال الهوية هي الجريمة الأسرع تزايدا في العالم، لكنها تجلت بشكل سافر في شخصية وزير فرنسي مزيف، يرتدي قناعا من السيليكون.

طيلة عامين، ومنذ أواخر عام 2015، قام فرد أو أفراد ينتحلون شخصية وزير الدفاع الفرنسي آنذاك، جان إيف لو دريان، بالاحتيال والحصول على ما يقدر بنحو 80 مليون يورو (90 مليون دولار) من الضحايا الأثرياء، بمن فيهم آغا خان الزعيم الروحي لطائفة الشيعة الإسماعيلية، ومالك شركة شاتو مارغو للخمور.

وكان الوزير المزيف يدفع الأشخاص المستهدفين، إلى الاعتقاد بأن من يتصل بهم هو السيد لو دريان، الذي يطلب بعد ذلك مساعدة مالية، لدفع فدية للصحفيين المختطفين كرهائن، من قبل مسلحين متشددين في الشرق الأوسط.

ولأن فرنسا لا تدفع رسميا فدى لمختطفي الرهائن، فإن لو دريان المزيف كان يؤكد لضحاياه أن المدفوعات لا يمكن تتبعها، وكان يطلب إيداع الأموال في أحد البنوك في الصين.

واشتبه كثير ممن اتصل بهم الوزير المزيف في الأمر، وأنهوا الاتصال معه.

لكن البعض لم يفعل ذلك، ما جعل هذه الجريمة واحدة من أغرب وأنجح جرائم الاحتيال في الآونة الأخيرة.

لماذا ينتحل شخصية وزير؟

قالت دولفين مييه، محامية السيد لو دريان، الذي يشغل الآن منصب وزير الخارجية الفرنسي: "كل شيء متعلق بهذه القصة استثنائي".

وأضافت: "لقد تجرأوا على انتحال هوية وزير فرنسي حالِ. ثم اتصلوا برؤساء شركات ورؤساء حكومات حول العالم، وطلبوا مبالغ هائلة من المال. ما هذا!"

لكن لماذا تم اختيار جان إيف لو دريان؟ هذا ما لم يتم شرحه بالكامل بعد.

ربما لأنه كان في ذلك الوقت وزير دفاع، مما دفع للافتراض بأنه مسؤول عن توفير الفدى للرهائن، لكن قد يكون هناك عامل آخر وهو غموضه النسبي.

من فعلها؟

يجري التحقيق في القضية حاليا في فرنسا، حيث تتركز الشكوك حول محتال فرنسي - إسرائيلي مدان بأحكام قضائية، ويدعى غيلبرت شيكلي.

ويقبع المشتبه به في السجن في باريس حاليا، بعد تسلمه من أوكرانيا، ويواجه تهما بالاحتيال المنظم وانتحال الهوية.

نشأ شيكلي، وتعود أصوله إلى عائلة يهودية تونسية، في حي بلفيل الذي تقطنه الطبقة العاملة شمال شرقي باريس.

في عام 2015، أُدين شيكلي بتهمة ابتزاز أموال من شركات فرنسية، من خلال انتحال شخصيات الرؤساء التنفيذيين لتلك الشركات. لكن حتى ذلك الوقت كان يعيش في حماية إسرائيل، التي ترفض تسليم مواطنيها.

ووفقا للسيدة "مييه"، أجريت عشرات المكالمات مع رؤساء شركات ورؤساء حكومات أفريقية، بل ومع زعماء كنائس مثل رئيس أساقفة بوردو، ومنظمات خيرية مثل منظمة مكافحة الإيدز (Sidaction) .

كيف نجحت عمليات الاحتيال؟

عادة ما تبدأ عملية الاحتيال بمكالمة هاتفية أولية، من شخص يدعي أنه من الدائرة المقربة للسيد لو دريان، مثل مستشاره الخاص جان كلود مالي. سيقوم هذا الشخص بترتيب محادثة مع "الوزير" نفسه.

في البداية تبدأ المكالمة "الوزارية" عبر الهاتف. ولكن بعد ذلك، في محاولة لتكون أكثر إقناعا، يرتفع مستوى المكالمة إلى الفيديو.

وحينذاك يصبح على لودريان المزيف أن يتشابه مع لودريان الحقيقي في مظهره أيضا، فضلا عن صوته.

لذلك، في اجتماعات رتبت عبر برنامج سكايب، ارتدى المحتال قناع لودريان المصمم خصيصا لهذا الغرض، وجلس على مكتب يشبه تماما المكتب الوزاري للوزير الفرنسي، مع استكمال الصورة بأعلام وصورة للرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا أولاند.

وحتى ذلك الحين، كانت لا تزال الخدعة قابلة للاكتشاف، لكن العصابة، ويعتقد أنهم عدة أشخاص، حرصوا على أن تكون الإضاءة سيئة، وعلى أن يجلس المحتال على مسافة من الكاميرا.

كما حرصوا على أن يكون الاتصال ردئيا، ويستمر لفترة قصيرة، بما يكفي فقط لابتلاع الضحايا للطعم.

وقال غاي - بيترو ليغنا، صاحب شركة بيترو لإنتاج الخمور، في فيلم وثائقي لإحدى القنوات التلفزيونية الفرنسية: "إذا نظرت إلى الوراء، أسأل نفسي الكثير من الأسئلة. لكنه كان يشبهه بالفعل".

وأضاف: "وكان يطلب مساعدتي كخدمة للدولة. إنه أمر مخيف، لأنه ربما لو طلب قدرا أكبر من المال، ربما وافقت."

ولدى السيدة "مييه" قائمة طويلة من الضحايا، الذين ترتبط أسماؤهم بملف القضية.

لأسباب واضحة، لا أحد من هؤلاء الضحايا يرغب في التحدث. ومن بين 80 مليون يورو حصل عليها الوزير المزيف من خلال ابتزاز أصحابها، جاء أكثر من نصف هذا المبلغ من رجل أعمال تركي، لم يُكشف عن اسمه، بينما فقد الآغا خان 18 مليون يورو.

وكان أحد الذين أفلتوا من الفخ الرئيس السنغالي ماكي سال.

كان ذلك بسبب أن لو دريان المزيف ارتكب خطأ واضحا، في مخاطبة الرئيس السنغالي بأسلوب فرنسي مهذب، واستخدم معه لفظ "أنتم"، بينما في الواقع كان الرجلان تجمعهما علاقة ودية قوية، ومن ثم اعتاد لودريان أن يخاطب سال مستخدما كلمة "أنت".

كيف سُلم شيكلي إلى فرنسا؟

تعثر حظ شيكلي في أغسطس/ آب عام 2017، عندما ارتكب خطأ السفر إلى أوكرانيا.

واعتقل شيكلي بناء على طلب فرنسا، وقال للشرطة الأوكرانية إنه جاء في زيارة إلى قبر حاخام يهودي معروف. لكن الشرطة عثرت في هاتفه على دليل، يفيد بأنه جاء لشراء قناع.

وفي سجنه في كييف، عاش شيكلي بما يتسق مع سمعته، كرجل نرجسي للغاية.

لقد دفع رشاوى للحراس، من أجل أن يجلبوا له ثلاجة، مليئة بشرائح اللحم وخمور الفودكا، وبث فيديو لها على وسائل التواصل الاجتماعي، سخر خلاله من النظام القضائي الفرنسي.

ومن الغريب أنه أطلق سراحه، لكن أعيد اعتقاله على الفور تقريبا، لكن في هذه المرة تم تسليمه إلى فرنسا.

إلى هنا كانت القصة ستنتهي نهاية عادية، ما عدا الجزء الختامي.

لأنه في وقت سابق من العام الجاري، ومع وجود شيكلي خلف القضبان، عادت عمليات الاحتيال مرة أخرى.

وبدأت تقارير تصل إلى سفارات، بأن لودريان المزيف بدأ من جديد يحاول ابتزاز الأموال، من "أصدقاء فرنسا" ذوي النفوذ.

وفي فبراير/ شباط الماضي، تم اعتقال ثلاثة مواطنين فرنسيين - إسرائيليين، بالقرب من تل أبيب.

في الوقت الراهن توقفت المكالمات.

لكن شكوكا أثيرت بأنه، بعيدا عن كونه محتالا واحدا، ربما يكون هناك العديد من المحتالين، أو عصابة كاملة تدرس فن انتحال شخصية جان إيف لو دريان.