موريتانيا - مشروع الدولة الفاشلة

اثنين, 24/12/2018 - 09:21

( وليعبدو رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع و ءامنهم من خوف))
و جاء في الحديث  ( من أصبح أمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه! فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها))
لا شك أن الإنسان يحتاج للأمن و الإطمئنان كحاجته لطعام و الشراب و الصحة و التعليم..و في رحاب الأمن و ظله تعم الطمأنينة النفوس و يسودها الهدوء و تعمها السعادة.
وقد فطن الفيلسوف سقراط أن الخوف الذي هو في مقابل الأمن يجعل الناس أكثر حذرا، وأكثر طاعة، وأكثر عبودية، 
فعمل بهذه الحمكة منذ القرن الخامس قبل ميلاد، الطغاة و المستبدين، و يبدو أن منظري الدولة العميقة في موريتانيا، وعوا و فهوا بشكل جيدًا كيف يستغلوا حاجة الناس إلى الأمن موظفون مجموعة من الطرق الخبيثة...لزرع الرعب في نفوس المواطنين البسطاء، لجعلهم يقتنعون بما هم فيه مهما تدهورت أوضاع البلاد... فلا تضطر السلطة الفاسدة إلى إحداث تغير جوهري ينعكس على حياة المواطن البسيط، الأمر الذي يضمن بقاء النخب الفاسدة في السلطة بأريحية.
و ما دفعني للكتابة لأعبر عن همومي و إنزعاجي حول ما سيأتي به الغد لوطني الغالي و العزيز. إستفحال ظاهرة الجريمة في نواكشوط خاصة في الأحياء الشعبية على نحو غير مسبوق و إرتفاع معدلاتها بشكل رهيب خاصة في انواكشوط.
فما هو الهدف من خلخلة منظومة الأمن المجتمعي الذي نعيش و نحيا فيه؟ و لي مصلحة من؟ 
و عن أي شعب تتحدث السلطات الأمنية و ماذا قدمت لهذا الشعب الذي تزعم أنها في خدمته ؟
و أي شعب يقصدون؟

لا يشك كل ذو عقل أن مقاربة الأمن المجتمعي، الحالية تسعى إلى زعزعت أمن و استقرار البسطاء و ضربهم في الصميم بهدف إرجاءهم عن مواصلت مسيرة المطالبة بالحصول على الحقوق المشروعة و بالتالي الحيلولة دون حدوث أي تغيير. و تأتي هذه المقاربة لتفاقم معاناة البسطاء الذين يعانون أصلا من الحرمان و الظلم الممنهج.
و صدق من قال "إذا أمن الناس العقوبة إستشرى فيهم الجريمة و الفوضى"و يتضح ذالك بتقاعس جهاز الشرطة عن محاربة الجريمة بالمجتمع،
الأمر الذي دفع بالبعض الى الإعتقاد أن ما يحول دون تحقيق بيئة شرطية نظيفة، هو التعليمات و التوجيهات الإدارية العليا، التي تأتي كاستجابة لتوجه الدولة العميقة، في التطبيق الصارم لسياسة زرع الخوف فى نفوس الناس و إشاعة الفوضى، بإطلاق العنان لصغار المجرمين باللجوء للعنف و إقامة الأعمال السلب و النهب، و نفهم ذالك أكثر بإجراءات الشرطة الغير إنسانية و لا أخلاقية، المتخذة لتعامل مع الضحايا الذين يتم الإعتداء عليهم بالسلاح الأبيض و هي إجراءات لا تحترم حقوق الإنسان و لا تحترم كرامة المواطن و لا حريته.
فهذه الإجراءات تشعرك أن الشرطة تعطي حصانة لهؤلاء المجرمين من نوع ما، كيف هذا و قد وضع الله للذين يثيرون الفتن و يزرعونها في المجتمع عقابا شديدا حين قال: ( إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذالك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم)
و بدل التحرك للقبض على المجرمين تفاجئ بإجراءات تجعلك تحس أن الشرطة تريد حماية المجرمين بدل القبض عليهم و معاقبتهم أو أنهم لا يملكون التدريب و لا الشجاعة الكافية لمواجهة هؤلاء المجرمين فهل منكم من رأي يوما رجل شرطة يطارد مجرم إرتكب جريمة للقبض عليه و تقديمه للعدالة! ولكن بكل تأكيد منكم من رأى أحد أفراد الشرطة يغض الطرف عن المجرمين. من منكم من رأى الشرطة في خدمة الشعب الذي يدفع لهم الأموال و الرشى أو بسبب محسوبية وغيرها... لا شيئ أخر يجعلهم يتحركون بفاعلية.
(يأيها الذين أمنوا لما تقلون ما لا تفعلوا كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)
إن سياسة زراعة الخوف في الناس نجحت بنسبة 100% في تحقيق أهدافها و يتضح ذالك حينما ترى الناس يتفرجون على شخص يتعرض للإعتداء أو يقتل حتى و كأن شيئا لم يحدث أصلا و حينما تسأل يقال لك نخاف من أن ينتقم منا هؤلاء المجرمين لاحقا... ولكل من هؤلاء الجبناء مبرراته من موقفه الجبان

فتعطيل الحدود الشرعية و تعطيل القانون و عدم 
اطلاع جهاز الشرطة بدوره، سيدفع حتما الأفراد و الجماعات إلى التصادم و التطاحن و الفتنة أشد من القتل) و القتل من أكبر ما يحدث الفساد في المجتمع.
(ومن يقتل مؤمن متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعد له عذابا عظيما)
و قد جاء في الحديث الشريف المسلم دمه و ماله و عرضه حرام...
فشيئ الوحيد الذي يمكن أن يردع المجرمين من الإسراف في القتل و بالإعتداء على الناس هو تطبيق قوله عز وجل ( و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين و الأنف بالأنف و الأذن بالأذن و السن بالسن و الجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) و هذا أقصى العقوبات لنرى العقاب متجسدا في الذي يقوم بأذيت الناس حتى يصبح للاخر نموذجا.

فعندما تهمل حكومة من الحكومات أمنها المجتمعي فهي في المقابل تركز على أمنها السياسي، الذي هو استقرار أمن الدولة و عدم الحروب و الصراعات...
فالدول النامية عادة تعاني من معضلة عدم الإستقرار السياسي الذي يعني انعدام الأمن و إنعدام الأمن المجتمعي وانتشار أعمال النهب والسلب والاغتصاب و السطو...، بالإضافة إلى حالات القتل و العنف بدافع الحصول على لقمة العيش بالأساس
و هو ما يؤدي في الغالب بالدول النامية الى تسخير كل طاقاتها و جهودها من أجل تثبيت النظام الموجود الأمر الذي يحول بين هذه الدول و إحداث تنمية شاملة.
أما حالة موريتانيا فهي حالة فريدة و عجيبة حيث جمعت بين متضادين و صورتين مختلفتين،
فهي دولة تتمتعة باستقرار سياسي لكن نعمة هذا الأمن السياسي الذي تحظى به و نرجوا من الله أن لا نفقده أبدا. لم تستثمره النخب الحاكمة بما يعود على الوطن و المواطن بالخير و النفع و يترجم إلى سعادة الشعب و رضاه، بالرغم من إن موريتانيا دولة غنية وتمتلك ثروات هائلة،
و بخالف ذالك فنحن نعيش الآن ظروف صعبة تمام كما يعيش أي شعب في دولة إنعدم فيها الاستقرار السياسي، و بتالي إنعدم فيها النظام و القانون بسبب غياب سلطة مركزية قوية و محترمة حيث المعاناة الاجتماعية والعنف الناتج عن الأعمال الإجرامية المختلفة، و الذي ينتج عنه في أغلب الأحيان القتل الذي أصبح ظاهرة في نواكشوط و خاصة الأحياء الشعبية التي يعيش قاطينيها و يتعرضون لظروف صعبة، في حين تسهر دوريات الحرس الليلية على تأمين القطط السمان.
فهل من سبيل إلى دولة تمثل إرادة الجميع وليس إرادة طائفة؟
وهل من سبيل الى الانتقال إلى مرحلة بناء المؤسسات و بناء دولة فيها العدل و حقوق الإنسان؟
الغزالي حسن