الحمالة...وجه من أوجه العبودية في موريتانيا

أحد, 22/04/2018 - 07:35

فجر كل يوم عمل يتوجه محمود، كالمئات من الرجال المنحدرين من شريحته "لحراطين" صوب ميناء نواكشوط طلبا لقوت يومهم، في مشهد بات مألوفا منذ عشرات السنين، يختزل معه معانات شريحة عاشت وما تزال محرومة من العيش الكريم في وطنها، حسب الحمال أمبارك ولد صدفه.

تختلف طرائق الحمالة في العاصمة الموريتانية نواكشوط، للوصول الى وجهتم، فمنهم من يمشي سيرا على الأقدام، ومنهم من ينتظر محسن يقله، ومنهم من يركب شاحنة متهالكة تعرض حياته للخطر، ومنهم من ينتظر طويلا سيارة أجرة.

أمام مكتب عمالة الميناء "BEMOP"، يجتمع المئات من الحمالة انتظارا لدورهم في تفريغ حاوية، ربما لن يأتي إلا بعد شهر، وهو الذي ترك عياله ينتظرون عودته إليهم بما يسدون به رمقهم في اليوم الموالي.

وبموازاة مع هذا المشهد، ترى آخرين وعليهم علامات الراحة، قدموا في سيارات فارهة، وهم يدخلون الى مكاتب الجمارك لتخليص بضائعهم، وهم ينحدرون من شريحة واحدة.

وبين المشهدين، ستعرف ان السبب وراء ذلك هو مخلفات العبودية، التي صارت اليوم، تكاد تكون أشنع من العبودية ذاتها، فالحراطين مجبرين على ان يمارسوا الأعمال الشاقة، بينما ينعم أسيادهم السابقين بكل الامتيازات.

فالحرطاني هو الحمال، الذي يتقاضي مبلغ زهيد على تفريغ الحاوية او الشاحنة، لا يكفي لحاجياته في ظل الغلاء المعيشي، ما جعله أيضا يسكن في الأحياء الهامشية التي لا تتوفر على متطلبات الحياة اللائقة.

وبالرغم أن موريتانيا، سنت قوانين عديدة في سبيل القضاء على العبودية، ونص دستورها على تجريم الممارسة، إلا ان العبودية الحديثة التي يعيشها العبيد السابقين، تؤكد فشل هذه القوانين والإجراءات المصاحبة لها، في سبيل الرفع من مستوى لحراطين، الذين ترتفع فيهم نسبة الأمية، لأسباب عديدة، أهما، حرمانهم من الأوراق المدنية، بفعل العراقيل التي توضع أمامهم.

فالحرطاني لا يمكن أن يحصي ابنه للذهاب الى المدرسة، بسبب انه هو نفسه غير محصي، لأن معظم الشروط المطلوبة يفتقدون إليها، بفعل ماضيهم المؤلم.

وقد قام الحمالة في موريتانيا، بعدة ثورات لتحسين واقعهم، إلا انه كان في كل مرة تقمع من طرف السلطة وأجهزتها، وهو ما يؤكد عليه محمود، الذي يسكن في حي الترحيل، ويتكلف يوميا 800 أوقية للوصول إلى الميناء، ويعود في أكثر أيام الأسبوع من دونها، إلا أن عمل زوجته كبائعة للخضار، يساعده في الاستمرار في عمله، كما ان لديه ابنا يعمل على عربة حمار، بعد ان تسرب من المدرسة بسبب الظروف الصعبة لعائلته.

يعيش حمالة ميناء نواكشوط ظروف عمل غاية في الصعوبة، خاصة منذ أن قرر معظم التجار تفريغ أغلبية الحاويات خارج الميناء وفق نظام خروج.

ويؤكد محمود ان هذا الإجراء، يحرمهم من فرصة عمل يحصلون من خلالها على عائد يساعدهم في إعالة أسرهم، مضيفا انه ترتب على ذلك تراجع كبير في تشغيل اليد العاملة، حيث أصبح الحمال يشتغل بمعدل يوم واحد فقط في الشهر، ويبقي بقية الأيام معطل.

كما يعاني الحمالة من اقتطاعات غير مبررة في نظرهم ومخالفة للقوانين والنصوص المعمول بها.

يدرك الحمالة، اليوم، أنهم يعيشون أوضاعا صعبة، وأنهم في بلد كموريتانيا يتوفر على ثروات طائلة كان من الممكن ان يكون حالهم قد تغير الى الأحسن، لولا فساد الأنظمة المتعاقبة عليها –حسب رأيهم- والغبن الممنهج ضد شريحة لحراطين –حسب قولهم-، ومع ذلك فهم مؤمنون ان التغيير حاصل لا محالة وبطرق سلمية وشرعية.

والأكيد ان لحراطين في موريتانيا مازالوا يعانون بشكل او آخر من العبودية، الأمر الذي يجعلهم محصورين في مهن محددة، عائدها لا يكفي للرفع من مستواهم، في حين تغض الدولة الطرف عنهم.

المهدي ولد لمرابط