بمب ولد سيدي بادي .. ملك إنشاءات الاستقلال

سبت, 28/11/2015 - 10:56

الأخبار (خاص): "جئت صباحا إلى القصر الرئاسي، كنت مهموما مخافة أن تفوتني الصفقة، دخلت بوابة القصر صباحا لمتابعة أشغال العمال في قصر الضيافة بالرئاسة، ووقفت بانتظار الرئيس المختار ولد داداه الذي يخرج من منزله عند الساعة 7:55 دقيقة، ليصل إلى مكتبه في الدقائق الخمس الباقية.

اقتربت من الرئيس وسلمت عليه، وشرحت له أن ثمة صفقة لشراء عدد كبير من الشاحنات لصالح البرنامج الاستعجالي وأنني كمستثمر وطني أخشى أن تفوتني هذه الفرصة، ولدي سيارات ألمانية وهي أحسن من السيارات الفرنسية التي تريد الوزارة شراءها.

بعد صمت طويل قال لي الرئيس " لا يمكنني التدخل في عمل الوزارات، لكن سأسأل الوزير عن الصفقة وفرص منحها للموريتانيين"

تلك قصة من بين أخرى، تحتفظ بها ذاكرة رجل الأعمال الموريتاني بمب ولد درمان أو ملك الإنشاءات العقارية في موريتانيا منذ الاستقلال وإلى حين الانقلاب العسكري في 1978 حيث بدأت مسارات أخرى من المضايقات والمنافسة غير الشريفة في بعض الأحيان

ضمن مذكرات رجل الأعمال بمب ولد سيدي بادي التي ستنشرها وكالة الأخبار المستقلة قريبا، ثمة فصول مهمة عن التأسيس الاقتصادي للدولة الناشئة.

يؤمن بمب بأن النزاهة والوطنية كانت أهم ما يميز الجيل الحكومي الذي أدار ملفات السياسة والاقتصاد في موريتانيا، وأن الإتقان والجدية أيضا من أهم ما ميز عمل المقاولين الناشطين في ملف الإسكان والإنشاء.

ولم يكن حقل الإنشاءات والتعمير في موريتانيا مكتظا بالمتنافسين فلم يكن أكثر من ثلاث شركات يملكها :
بمب ولد سيدي بادي
شيخنا ولد محمد الأغظف
فتى ولد الركيبي

طفل من لتفتار

في علب لمبطط بلتفتار في تكانت التقط بمب أولى صور الحياة، لأسرة فقيرة، يتذكر بمب أحداثا كثيرة من بينها أن ذويه دفنوه في سنة 1944 بعد أن تأكدوا من وفاته ضمن مجاعة وأمراض هائلة ضربت المنطقة في تلك الحقبة.
كما يتذكر أيضا قدوم الفرنسيين سنة 1945 لغصب الإبل والأغنام وما يحتاجون من الناس وكان للجدة جمل نجيب تركبه في ترحالنا وقد وقع عليه اختيار المغتصبين فأخذوه واختاروه مركوبا لزوجة الحاكم في ألاگ التي ما إن ركبته حتى ألقاها وحمل عليها حتى تكسرت عظامها وشهدت الناس يجمعون فتات المخ والعظام المتناثرة وتركوا للجدة جملها وغادروا الحي.

في أطار بدأ بمب دراسته قبل أن يقرر مغادرتها والتوجه إلى التجارة، التي بدأها بائعا للسبح، قبل أن يمتد المسار ليكون من أثرى رجال الأعمال الموريتانيين.

تحرير قطاع النقل

بتاريخ 17-4-1957 استطاع بمب ولد سيدي بادي شراء أول سيارة له كانت من طراز " ستروين" T46 وقد اشتريتها بمبلغ 120.000 أوقية وهو ما يقابل 600.000 F.C وقد سجلت تحت الرقم 1218M وكنت قد حصلت قبل ذلك بتاريخ 25-5-1956 على رخصة قيادة من تجگجه دون أكون ماهرا في سياقة السيارات"

تطور المسار بعد ذلك، وقرر تاجر المواد الغذائية والمورد الأساسي للشاي بمب ولد سيدي بادي توسيع تجارته وتركيز جزء منها على مسار النقل، ورغم نشاطه القوي في مناهضة الاستعمار الفرنسي والرموز السياسي الموريتانية المقربة منه إلا أن الفرنسيين لجأوا إليه في إحدى الرحلات إلى بير أم اقرين بعد أن رفض السائقون السنغاليون الخروج من أطار نحو مجاهل البير، والقصف الألماني المتزايد على مواقع الفرنسيين في المنطقة.

" كنت رئيس الناقلين فلجأ إلي الفرنسيون لإقناع الناقلين ( البيظان ) لتولي المهمة فاشترطت زيادة الأجرة من 200.000 f.c إلى 300.000f.c فوافقوا واشترطت أن لا يكون التعامل خاصا بي بل يعمم على جميع الناقلين المستعدين فذهبت إلى زملائي الذين يملكون سيارات ووافق كل من أحمد سالم ولد جدو وأخوه وبناه ولد أميناط وكنت الرابع فحملت السلاح والذخيرة وحملوا المؤن الاخرى ونزعت المصابيح الأمامية والخلفية من السيارات وكانت القافلة تسير في النهار وتتوقف في الليل بشكل دائري محروسة من جهتين ونوقد النار في حفر حتى لا ينتشر الضوء فيرى فنتسبب بقصفنا وقد قطعنا تلك المسافة الوعرة 700 كم في وقت قياسي إذ وصلنا زوال اليوم الثاني ؛ ومن الطريف أنها كانت أول تجربة لي في قيادة السيارات ".

أول مكتب وطني للنقل

يعتقد بمب ولد سيدي بادي أن حكومة الاستقلال وضعت خطة لإنهاء سيطرة الفرنسيين على الاقتصاد ولكن بتدرج وهدوء، وكانت أول الخطوات تحرير قطاع النقل بتأسيس مكتب وطني للنقل من أبرز مهامه احتكار النقل للمواطنين " وفي يوم 10-12-1961 رئيسا لمكتب النقل B C T Mحديث الإنشاء وقد كان من مهامه احتكار النقل للمواطنين وقد بدأنا في تنظيم القطاع"
كانت الخطة تقضي بإنهاء سيطرة شركة لاكوم على قطاع النقل، لاكوم الفرنسية كان تتخذ من دكار مقرا رسميا لها، فيما تحتكر شاحناتها النقل في موريتانيا وفق طرق غير معبدة، وكانت من أولى خطوات مكتب النقل الجديد فتح مقر لها في مدينة سانت لويس
وفي سنة 1962 صدر مرسوم محددة لأعمال ومهام وصلاحيات المكتب الذي تغير اسمه إلى إلى G T P M تجمع الناقلين الموريتانين العموميين وقد حدد مرسوم إنشائها أنها ذات شخصية اعتبارية كما اشترط القانون المنشئ على كل ناقل الحصول على إذن مسبق حتى تدخل سياراته موريتانيا وقد حددنا رسما ب 5% على كل حمولة تدخل البلاد بما في ذلك القارب الذي كان يحمل البضائع بين ضفتي النهر وجهزنا مكاتبنا الجديدة التي انتقلنا إليها في لگوارب ودفعت لنا شركة " لكوم " مبلغ 2 مليون افرنك اشترينا منها 4 سيارات جديدة 2 من نوع لاندروفر و 2 من نوع ديشفو، ولقد كان المختار وبوياكي ولد عابدين يقفان خلف ترشيحي ووصولي إلى رئاسة التجمع".

في مواجهة فرنسا

كان تحرير قطاع النقل، بوابة مواجهة قوية مع شركة لاكومب الفرنسية، وخصوصا بعد أزمة الناقلين العسكريين الفرنسيين الذين كانوا يحملون السلاح والعتاد والمؤن إلى الحدود الجزائرية التي كانت لاتزال في حرب مع فرنسا وأوقفنا الناقلين وأرجعناهم من تگند"

أثار القرار الموريتاني امتعاض الحكومة الفرنسية، فأرسل الرئيس الفرنسي أحد جنرالات جيشه لنقاش الأزمة مع الحكومة الموريتانية، وفي النهاية تقرر تولي الناقلين الموريتانيين لمهمة نقل المؤن والعتاد الفرنسي على الأراضي الموريتانية، كان الأمر ضربة قوية لشركة لاكومب دفعتها إلى إلى بيع سياراتها للخصوصيين.

لاحقا تأسست أيضا الخطوط الجوية الموريتانية بتخطيط من الوزير المرحوم بوياكي ولد عابدين، ضمن مؤسسات كبيرة أشرف القيادي الوطني ولد عابدين على تأسيسها.
إلى حقل المقاولات انتقل بمب ولد سيدي بادي، بعد أن أخرجته السياسة ومعارضة نظام المختار ولد داداه، من منصبه الإداري في شركة النقل وباع نصيبه وبعض حصته من السيارات لخصوصيين، حينها بلغ عدد السيارات التابعة للتجمع 200 سيارة ناقلة.

إلى حقل الإنشاءات

"بعد الاستقالة قررت تأسيس شركة خاصة بي وقد تأسست بالفعل في 17-4-1967، S M C T P أول شركة أملكها" لكنها لم تكن الوحيدة وإن كانت الأكثر رواجا وانتشارا في فترة السنوات 11 الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق المختار ولد داداه.
ليبلغ عدد عمالها 1200 عاملا من بينهم فريق مهندسون موريتانيون وفرنسيون وعدد قليل من العمال السنغاليين.
استطاعت شركة ولد سيدي بادي التي توسعت بعد ذلك بعد شرائها لشركة صغيرة كانت مملوكة للوزير السابق بوياكي ولد عابدين، وتمكنت الشركة من بناء
- المستشفى الوطني
- صندوق الضمان الاجتماعي
- الصرف الصحي من منطقة سوق العاصمة وحتى المستشفى
- بناء 300 وحدة سكنية في كانصادو
- بناء مصنع المتفجرات التابع لشركة اسنيم في نواذيبو
- بناء العنابر وأماكن حفظ الألغام
- بناء جميع المدراس والمؤسسات التعليمية في موريتانيا
- بناء مقرات سونمكس وكذا مخازنها الكبرى في نواكشوط ونواذيبو
- بناء الفندق ومراصد مراقبة كسوف القمر القمر في مقاطعة شنقيط وذلك بتاريخ 30/يوليو/1973، حيث حضر مئات الخبراء من مختلف دول العالم لمراقبة ذلك الحدث الفلكي.
- وخارج موريتانيا استطاعت مؤسسة البناء التابعة لبمب ولد سيدي بادي بناء مقرات سكنية وسدود في منطقة الضفة وفي مدن مالية.
- وفي نواذيبو استطاعت شركة بمب ولد سيدي بادي شراء مقرات وموانئ والقطع الأرضية التابعة للشركة الفرنسية التي أقامت شبه دولة في نواذيبو تتمتع بعلم وعملة مستقلة.
مع بداية فترة الجفاف وبداية بدأ مسار آخر توجه الاستثمار من جديد إلى السيارات، حيث حصل بمب على تمثيل شركة مرسديس بينز في موريتانيا.
هنا نعود إلى بداية التقرير لقد أمر المختار ولد داداه وزير الدولة للمالية بمنح الصفقة للموريتانيين، وهكذا وقع بمب رسميا مع الوزير والاتحاد الأوربي صفقة لشراء 45 شاحنة ضخمة، وتم تسديد المبلغ فورا من قبل الاتحاد الأوربي الراعي للبرنامج الاستعجالي.
لاحقا أصبح بمب ولد سيدي بادي المورد الأساسي للشاحنات في موريتانيا ومن بينها شاحنات المؤسسة العسكرية.
غير أن المسار بدأ في التقلص مع نهاية حكم المختار ولد داداه، حيث بدأت العراقيل تقف في وجه المقاول، قبل أن تلقيه الدولة في غيابات السجون وتلغي عددا من صفقاته، ومع التزاوج بين المال والسلطة منذ 1984 وجد بمب نفسه خارج دائرة رجال الأعمال النافذين.
يعتقد ولد سيدي بادي في مذكراته
يؤكد بمب ولد سيدي بادي أن الاستقلال الاقتصادي كان متدرجا بدأ بتحرير
- قطاع النقل
- تحرير قطاع المقاولات
- تحرير سوق المواد الغذائية بإنشاء شركة سونمكس
- تحرير قطاع المعادن بإنشاء شركة اسنيم، موازية لشركة ميفارما قبل أن يتم تأميم ميفرما
- وأخيرا تأسيس الأوقية، الذي رفع قدرات رجال الأعمال الموريتاني ومهد الطرق أمامهم بشكل كبير.
في مذكرات بمب ولد سيدي بادي سفر من طويل من تاريخ الاقتصاد الوطني،وقصص مثيرة وطرائف ضمن رحلة رجل رأى معالم الحياة الأولى في تكانت، قبل أن تحمله سفن الحياة بين منابر السياسة، ومخافر الشرطة وزنانين السجون ومكاتب التجارة والأعمال